ضمت مئات النشطاء.. مسيرة تطالب بالحريات وإطلاق سراح الموقوفين في تونس

ضمت مئات النشطاء.. مسيرة تطالب بالحريات وإطلاق سراح الموقوفين في تونس
مظاهرة في تونس

تصاعدت، اليوم السبت، وتيرة الاحتقان السياسي في تونس مع تجدد المظاهرات في قلب العاصمة، حيث خرج المئات من المواطنين والناشطين وأفراد عائلات المعتقلين السياسيين في مسيرة جديدة للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين ورفع القيود المفروضة على الحريات العامة، في مشهد يعكس عمق الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عامين.

وتجمّع المتظاهرون في ساحة بمنطقة باب الخضراء، رافعين صور السياسيين والنشطاء القابعين في السجون، ومرددين شعارات قوية ضد السلطة، من بينها: "لا خوف لا رعب، الشارع ملك الشعب" و"حريات حريات، دولة البوليس وفات" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية. 

وعكست هذه الهتافات حجم الغضب الشعبي المتنامي تجاه الإجراءات الأمنية والقضائية التي يرى فيها المحتجون تضييقاً ممنهجاً على الحريات، وتحويلاً للمؤسسات القضائية إلى أدوات بيد السلطة التنفيذية.

وتُعد هذه المسيرة الثالثة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، في مؤشر واضح على أن الشارع التونسي بدأ يستعيد حضوره كأداة ضغط سياسي بعد فترة من الخوف والجمود، إذ سعت هذه التحركات إلى كسر الصمت ورفع كلفة استمرار الاعتقالات السياسية والقرارات القضائية المشددة التي طالت معارضين بارزين ونشطاء مجتمع مدني.

خلفية الأحكام والتهم 

جاءت هذه الاحتجاجات عقب قيام محكمة الاستئناف بتأييد أغلب الأحكام الصادرة في ما يُعرف بملف "التآمر على أمن الدولة"، وهو الملف الذي شمل عشرات السياسيين ورجال الأعمال والنشطاء الذين تم اعتقالهم منذ فبراير 2023. 

ووصلت بعض الأحكام إلى السجن لمدة 45 عاماً، في قرارات أثارت موجة انتقادات واسعة من جانب المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، التي شككت في نزاهة المحاكمات واعتبرتها مسيسة وتفتقر إلى ضمانات العدالة وحقوق الدفاع.

ولم تتوقف الإيقافات عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل شخصيات بارزة، من بينها الزعيم التاريخي لجبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي (82 عاماً)، والمحامي والناشط العياشي الهمامي، والسياسية شيماء عيسى، وذلك لتنفيذ أحكام صدرت بحقهم، ما زاد من حدة التوتر وأشعل مشاعر الغضب لدى أنصارهم.

وتتهم السلطات التونسية هؤلاء الموقوفين بمحاولة قلب نظام الحكم وتفكيك مؤسسات الدولة، بينما ترى قوى المعارضة أن هذه التهم مفبركة وذات طابع سياسي، وتندرج في إطار خطة لإقصاء المعارضين وتكميم الأفواه وفرض واقع سياسي جديد يعيد البلاد إلى ما قبل الثورة.

شهادات من قلب الاحتجاجات

في السياق ذاته، صرّح يوسف الشواشي، شقيق السياسي المعارض والوزير السابق غازي الشواشي، قائلاً: "لم تعد لنا ثقة في القضاء ولا في مؤسسات الدولة.. لم يبق لنا غير الشارع للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين"، في رسالة تعكس حالة الانهيار الكامل للثقة بين شريحة واسعة من الشعب والمؤسسات الرسمية.

وأشار، من جهته، الناشط في المجتمع المدني مسعود الرمضاني إلى أن التحركات السلمية باتت الخيار الوحيد المتبقي أمام التونسيين، مؤكداً أن الوضع بلغ مستوى خطيراً ليس فقط على صعيد الحريات، بل أيضاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، في ظل ارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات، وتفاقم البطالة، خصوصاً بين فئة الشباب.

وأضاف الرمضاني: "على الشعب أن يتحرك للمطالبة بحقوقه التي أتت بها الثورة، والحق في مجتمع مدني وحياة سياسية حقيقية.. برنامج السلطة الحالية هو القضاء على المجتمع المدني والأحزاب والعودة إلى ما قبل الثورة".

مستقبل غامض للبلاد

تطرح هذه التطورات تساؤلات حاسمة حول مستقبل تونس السياسي، في وقت تتجه فيه السلطات إلى مزيد من التشدد، بينما يتوسّع نطاق الاعتراض الشعبي، في معادلة تنذر بمزيد من التصعيد إذا لم تُفتح قنوات حوار حقيقية تعالج جذور الأزمة، وتحترم حقوق الإنسان، وتعيد الاعتبار لدولة القانون والمؤسسات.

وفي خضم هذا المشهد المتوتر، تبقى تونس، التي كانت تُعد النموذج الديمقراطي الوحيد الناجح في المنطقة بعد "الربيع العربي"، أمام مفترق طرق تاريخي قد يحدد شكل الدولة لسنوات قادمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية